دور العذراء مريم في الحياة الروحية؟

نريد أن تعطينا فكرة عن دور العذراء مريم في الحياة الروحية؟

****************************************
دور العذراء مريم هام جدا ً في الحياة الروحية، هناك كثيرين يقولون أن الانجيل لم يتحدث كثيرا عن العذراء، وهي فعلا تحدثت قليلاًًًَ جدا ً، كما أن هناك اعتراضات من كثيرين عن المبالغة في تكريم العذراء، مع أنه لا يوجد أساس لذلك في الكتاب المقدس، الحقيقة غير ذلك، لأنه بنظرة دقيقة أكثرفي الانجيل نجد ن هناك نصوص صريحة يمكن للمؤمن أن يبدأ منها الدخول الي النصوص الغير صريحة. مثلا الكلام عن الثالوث الأقدس نجده موجود في أماكن قليلة جدا ً في الكتاب المقدس، مع أنه عقيدة ثابتة في ايماننا. نفس الشيء عن لاهوت المسيح، مشارله بشكل غيرغزير، مع اننا نؤمن أن يسوع المسيح الذي يتحدث في أي نص من نصوص الكتاب المقدس هو الله ذاته. نفس الشيء بالنسبة للعذراء، هناك أماكن في الانجيل تتحدث عنها، وتشرح الدور التي تقوم به، مع انه في أماكن أخري نجد العذراء صامتة، وهذا لا يعني أنها غير متواجدة.

مثلا: في بداية انجيل يوحنا، في أول آية صنعها المسيح، في الاصحاح الثاني، عند تحويل الماء الي خمر، كانت العذراء موجودة. القديس يوحنا عندما كتب الانجيل وضع له هندسة، فوضع لنا العذراء في بداية آيات المسيح، في أول خطوة من خطوات الايمان، فهدف انجيل يوحنا هو أن يجعلنا نؤمن بلاهوت السيد المسيح، أي أن يسوع الناصري ليس فقط بشر، ولكنه أكثر من ذلك بكثير، هو الله وواهب الحياة. حتى نستطيع أن نقبل اليه وضع لنا القديس يوحنا العذراء مريم في بداية الآيات التى تؤدي الى الايمان، في أول آية صنعها يسوع. هذه اشارة الى أن خطوات الايمان و نضوجه لهم رباط وطيد بالعذراء مريم. ولو قرأنا جيدا ً انجيل قانا الجليل نجد أن التلاميذ توجهوا الى يسوع لأن العذراء وجهتهم نحوه. فهى لم تقل "ليس لدينا خمر" (و"الخمر" تشير هنا الي العلاقة والحياة مع الله) ولكنها قالت: "ليس لديهم خمر"، أي أن الكتاب يقر أنه توجد علاقة بينها وبين المسيح. تقول بين السطور: "لدى هذا الخمرالجديد". هكذا آمن الرسل بالمسيح، بإيمان و بدعوة العذراء مريم لهم.

كما أن يوحنا الانجيلي بدأ كلامه عن المسيح مع العذراء في آية قانا الجليل، كذلك أنهى انجيله بالآية الكبري وهي الصليب أيضا ً مع العذراء مريم. وقد سماها في كلا النصين "إمرأة" وهذا اللفظ له دلالة سأشرحها لاحقا ً. أي أنها – أى العذراء – موجودة في الأول وفي الآخر، والاشارة – لمن يريد أن يفهم – انها هبة موجودة علي طوال الطريق. وكأن القدديس يوحنا يقول لنا : ركزوا وافهموا وتعمقوا في آية قانا الجليل تجدوا العذراء موجودة، أيضا بالتركيز والفهم والتعمق في الآية الكبري علي الصليب نجدها أيضا موجودة. معنى ذلك أنها متواجدة علي طول طريق الايمان.

وينتهي حدث الصليب عندما قال السيد المسيح ليوحنا: "هذه أمك" ويقول للعذراء أيضا: "هذا ابنك"، والمسيحيون، علي مدارالتاريخ، فهموا أن هذا الكلام لم يكن موجها ليوحنا فقط بل لنا جميعا، اذا ً المسيح عندما قدم لنا أغلي شيء – وهى أمه – كان له هدف معين. هذا بايجاز عن انجيل يوحنا.

نفس الشيء نجده في انجيل لوقا، نجد أن لها دور أساسي في بداية الايمان، وفي طريق الايمان، وفي إكتمال الإيمان، كما قال القديس بولس أننا يجب أن نصل الي "ملء قامة المسيح"، وأن نحيا فيه، ويكتمل ايماننا، وتصبح العذراء هي القالب الذي يكمل إيماننا ويتممه.

دور العذراء مريم في الحياة الروحية؟ 1509889_703363189702802_232958157134454520_n

دور العذراء مريم في الحياة الروحية؟ 1509889_703363189702802_232958157134454520_n

في الإصحاح الأول لإنجيل لوقا نجد أن هناك بشارتين، البشارة الأولي لزكريا، وقد فشلت، لأنه لم يصدق، ورفض وعد الله، وقد عوقب علي ذلك بأنه أصبح أبكم حتى ولادة ابنه. أما عند بشارة العذراء، نجد الأمر مختلف، لأن العذراء آمنت. كان هناك هدف من التركيبة الأدبية للنص نفسه، العذراء آمنت وذلك ليس عشوائيا، ولكنه مقصود من الكاتب (القديس لوقا). عند النظر لهذا التوازي، يظهر دور العذراء، وليس فقط لنفسها، ولكن أيضا لكل انسان.عند ما جاء الملاك ليبشرها وبدأ يكلمها، العذراء تقول له: "كيف هذا؟" فيقول لها الملاك: "ان الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك.." وهكذا، إلي أن نصل إلي قول الملاك لها: "وإن نسيبتك أليصابات هي أيضا حبلي وفي شهرها السادس"، ونحن عندما نقرأ النص نفسر ذكر أليصابات كأن الملاك يشجعها على الإيمان، وأن حبل أليصابات إثبات لقوة الله، ولكن لا، هو هنا يضعها في إمتحان، وتصبح الجزئية التي فشل فيها زكريا (وهو الكاهن الذي يمثل الشعب، وأيضا هو يمثلني أنا أو كل انسان لا يستطيع أن يؤمن) قد نجحت فيها العذراء نيابة ًوتعويضا ًعنه. إذا ً هنا الملاك يمتحنها ولا يشجعها. لذلك فان معظم القديسين قالوا إن العذراء عندما قالت "نعم، هأنذا"، كان ذلك بإسمها هي و بإسم الإنسانية جمعاء معا ً.

وقد نتسائل: "كيف ذلك؟" ، "وأين نجده في الكتاب؟" – عندما ذهبت العذراء عند أليصابات، وامتلأت هي من الروح القدس، وهتفت: "من أين لي هذا أن تأتي إلي أم ربي" ثم قالت لها: "طوبي لك لأنك آمنت"، وكأنها تقر بالحقيقة: "نحن لم نستطع أن نؤمن، ولذلك لك أنت الطوبي اذ أنك آمنت لنا كلنا".

ان هذا التفسير يزداد وضوحا عندما تتكلم العذراء: "تعظم نفسي الرب وتبتهج روحي بالله مخلصي لأنه نظر الي تواضع آمته، فها منذ الآن تطوبني جميع الأجيال لأن القدير صنع بي عظائم وإسمه قدوس"، هل مجانا "جميع الأجيال تطوبها"؟ بالطبع لا، بل لنفس السبب الذي ذكرته أليصابات، أي لأنها آمنت من أجلنا، وهذا هو السبب الذي يجعلنا لا ننسى دورالعذراء مريم ولا ننخدع أن الكلام عنها قليل في الكتاب المقدس، فليس شرطا أن يذكر كلام كثير عن الشيء – بالرغم أنه موجود وواضح، وأساسي بالنسبة الي حياتنا الروحية.

كل ذلك يوضح دور العذراء مريم في حياتنا الروحية.