الانجيل بين الوحي والبشارة

الانجيل بين الوحي والبشارة

الانجيل لفظة يونانية الاصل، معناها البشرى التي حملها يسوع المسيح الى العالم استنادا الى ما قاله الملاك جبرائيل عندما بشر مريم العذراء :”اني ابشركم بفرح عظيم ، ولد لكم اليوم مخلص .” لوقا:2/10 .
يتكون العهد الجديد المكمل للعهد القديم (التوراة) من اربعة اناجيل متشابهة الى حد ما ويضاف اليها سفر اعمال الرسل. اما الاناجيل فهي بحسب زمن وحيها: انجيل متى الذي اعده في سنة 41 م ، انجيل مرقس الذي اعده بين السنوات 58-60 م ، انجيل لوقا الذي اعده بين السنوات 65-67 م ،انجيل يوحنا الذي اعده بين السنوات 96-98 م .
يسمي اللاهوتيون الاناجيل الثلاثة الاولى بالاناجيل الازائية، لكونها تتشابه في اسسها التي تسجل اعمال واقوال يسوع المسيح الروحية والاخلاقية والتعليمية وماقام به من عجائب،خصوصا في السنوات الثلاث الاخيرة بين27-30 م . اما انجيل يوحنا فله خصوصيته الفريدة من نوعها: اذ انه يمتد في وحيه اكثر عمقا في التعاليم والاعمال المسيحانية ، كما يفسر مدى ارتباط المسيح بالله: حيث انه خلق بكلمة من الله وولد لذلك بشكل عجائبي.
ويحسب الفكر المسيحي ،اننا امام انجيل واحد في اربعة نسخ معترف بها.
يرجح ان انجيل متى قد كتب اولا بالارامية ثم ترجم الى اليونانية،بحسب ماذكره الباحث جيروم من القرن 2م .كما تميز انجيل مرقس بانه يركز على ماذكره بطرس عن حياة المسيح ،بين 29-30 م ،وانه اقصر الاناجيل .
ان سفر (اعمال الرسل) اي اعمال بعض من تلاميذ المسيح الذين انطلقوا ينشرون تعاليم المسيح ، يتضمن 22 رسالة قصيرة ،و رؤيا يوحنا اللاهوتي .
ويذكر كل انجيل اصل يسوع المسيح ورواية تاريخية تتركز على ولادته وبداية رسالته المقدسة ،التي يرجح انها دامت حوالي ثلاثة سنوات،قبل صلبه وموته ثم قيامته بعد ثلاثة ايام في عام 30م .
ترجمات الانجيل
كتبت الاناجيل باللغة اليونانية لغة الثقافة في ذلك العصر. وقد ترجمت اولا الى اللغة السريانية،لغة المسيحيين المشرقيين ، خاصة في مدن الرها ونصيبين ومنطقة حدياب. وتم ذلك على يدي مواطن من حدياب او اربيل يدعى تاتيان الاشوري ، حيث قام بجمع الاناجيل الاربعة في كتاب واحد سمي (دياتسرون) اي الممتزج بين الاعوام 170-173.
كان قد ترجم العهد القديم من العبرية الى اليونانية في اكاديمية الاسكندرية وذلك في عام 180 ق.م . لكن ترجمة الكتاب المقدس (اي كلا من العهد القدبم (التوراة) والعهد الجديد (الانجيل) الى السربانية، جرت في نهاية القرن الثالث او بداية القرن الرابع، بمساعدة اليهود الذين كانوا في مدينة حزا قرب اربيل، وسميت تلك الترجمة بالبسيطة (فشيطا). واعيدت ترجمة الاناجيل كاملة ،باللغة السريانية ،في مطلع القرن الخامس للميلاد .
اما ترجمة الانجيل الى العربية ، فيرجح ان اول من ترجم اجزاءا من التوراة والانجيل هو ورقة بن نوفل القريشي ابن عم السيدة خديجة الكبرى، والذي كان على الارجح قسيسا في مكة اذ ورد في الاخبار وجود (بيعة) في مكة قبل الاسلام ،وقد توفي ورقة بعد ثلاث سنوات من البعثة حوالي 614 .
اما المسيحيو ن اللذين كانوا يشكلون نسبة كبيرة من سكان مصر ،فقد استقلوا عن المشرق تدريجيا وصاروا يتحدثون بالقبطية (وهي مزيج من اللغتين المصرية القديمة واليونانية والتي لايجيدها الان الا كبار رجال الدين في مصر) . وفي مصر ازدهرت الفلسفة الغنوصية الهرطوقية في القرنين الثاني والثالث خاصة في اكاديمية الاسكندرية ،وبتأثير الغنوصية ، قام بعض المسيحيين بتقليد الاناجيل والفوا العديد من الاناجيل الهرطوقية او المنحولة باللغة اليونانية ،لم تعرف حتى تم اكتشافها في بلدة نجع حمادي بمصر في عام 1947، اما انجيل (برنابا) فقد الفه احد اليهود نكاية بالمسيحيين في ايطاليا في القرن الخامس عشر ،ترجمه الى العربية الدكتور خليل سعادة وشرح في المقدمة كيف لفقه مؤلفه والاخطاء التاريخية والاسلوبية التي وقع بها.
في منتصف القرن السابع للميلاد ، كانت المسيحية تشكل كثيرا من سكان الشرق الادنى وخاصة مصر واثيوبيا (الحبشة) وسوريا والعراق ومايسمى الان تركيا ، كما كانت قد انتشرت الى حد ما في البحرين وقطر واليمن بالاضافة الى جزيرة خارج والاحواز في ايران،كما وصلت الى جميع انحاء اوربا والهند وروسيا وغيرها.
وقد ترجم الانجيل الى اللاتينية مبكرا(ق5)،اذ كانت لغة معظم شعوب اوربا . كما ترجم الى الاثيوبية والارمنية ،وكذلك العربية،وقد وجدت نسخة منه في دير بجبل سيناء تعود الى سنة 589 ،من مجموعة (عزيز سوريال عطية)، اكتشفت نسخة منها من قبل الدكتور دبليو . بارز (W.Paars ). كمايرجح ان العلامة الطبيب الطبيب البغدادي ابو الفرج عبدالله ابن الطيب (ت1043) قد ترجمه الى العربية . وقد ترجم الى العربية بشكل معتمد في الفاتيكان عام 1573 .
الانجيليون
القديس متى(ت71)
كان متى عشارا،اي موظفا لاستيفاء الضرائب. دعاه المسيح اليه،فترك عمله وكل شيىء، والتحق به. وقد بشر متى في اورشليم وصور (تاير)التي كانت من اكبر المدن الساحلية بعد بيروت،ثم ذهب للتبشير في الحبشة، وعاد الى بيت المقدس . كان ثالث شهيد للمسيحية، اذ حكم عليه اليهود برآسة الوالي (مسطس)بالرجم لمخالفته الشريعة اليهودية، ودفن في بلدة قيسارية، حوالي 71 م.
كان هدف انجيل متى اقناع اليهود اولا،بمجيىء (المسيا) اي المسيح ،بحسب العهد القديم(التوراة) باعتباره ملكا على اليهود. كم يذكر حادثة هرب العائلة المقدسة الى مصر، وقتل اطفال بيت لحم من قبل الوالي هيرودتس، الذي سبق وان قطع راس يوحنا المعمدان. ويرى الباحثون في المسيحية ان انجيل متى قد ركز على نعمة المسيح الغنية بالقيم الروحية ،التي تفتح الباب امام المذنبين ليتوبوا ويرثوا مع الاتقياء الملكوت.
القديس مرقس(ت68)
اسمه الحقيقي سمعان ارسطوبوليس ،ليبي المولد ،كنعاني الاصل ،يرجح ان ولادته كانت في2 ق.م.دعي مارك،لكن باللفظ الارامي هو مرقس . سافر مع القديسين بولس وبرنابا في الرحلة التبشيرية الاولى. استخدم بيته في اورشليم ككنيسة ، وادارها القديس يعقوب بن زبدي الذي كان قريبا من يسوع حتى دعي اخ يسوع،ثم القي القبض عليه والقي من سطح الهيكل على الارض،فمات سنة 34 م.
اضطر مرقس ان يهرب الى مصر،ثم عاد عام 61، وسافر الى ليبيا، ورجع الى بيت المقدس عام 64 او 65 .ومن هناك سافر الى الاسكندرية في عام 68 ،ولنشاطه في اعلاء كلمة المسيح، القي القبض عليه واعتبر معاديا للرومان ،فقطع رأسه في نفس العام .يعرف المسيحيون الاقباط،أنفسهم انهم من اتباع الكنيسة المرقسية .
القديس لوقا
كان طبيبا ، من تلاميذ المسيح السبعين، عاش كل حياته متبتلا ،التحق بتلاميذ المسيح الاولين ، وكان مع يسوع وهو يساق الى الصلب،وقال عنه المسيح “لوقا وحده كان معي”. رافق القديس بولس حين القاء القبض عيه في اورشليم، وسافر معه الى روما حيث اعدم بعد محاكمة سريعة.عاد و نشط في الكرازة او وعظ الناس في مدينة(اخائية) في اليونان،و استشهد في شيخوخته، وهو في 84 من العمر.
تميز وحيه للانجيل باظهار ان سلطان المسيح ليس زمنيا بل معتمدا على روح الله ومحبته وعلى قوة الفداء التي حررت الانسان من الخطيئة الاولى ،كما جعل التوبة ممكنة. عرف لوقا في دقة اسلوبه الذي يصف فيه الامراض التي شفاها السيد المسيح. واعطى هذا الانجيل اهتماما اكبر الى المرأة ،كما قرب المسيح من الانسان ،فالذي يريد ان يكون نقيا ومحبا للاخرين فليعتمد على حبه للمسيح.
القديس يوحنا (ت حوالي 98)
ويسمى يوحنا الحبيب ، واسمه العبراني يوحنان، وبالانكليزية هو جون ،كان تلميذا الى يوحنا المعمدان. لما كان يوحنا واخوه يعقوب يصلحان شبكة الصيد،ناداهما يسوع ،فتبعاه.وصارا من اعمدة الكنيسة الاولى التي قامت في اورشليم ،لكن لما القي القبض على اسطيفان من قبل اليهود، ثم رجمه بالحجر بعد الجكم عليه عام 44 ابتعد هو ومريم العذراء،اذ كان يسوع وهو على الصليب قد اوصاه ان يرعاها. ثم نفي الى روما حيث عذب،وبعد ذلك ذهب الى جزيرة بطمس حيث مات في عام 98 م.
مغزى وحيه في هذا الانجيل :ان يسوع هو المسيح ،وهو الكلمة المتجسدة .
اعمال الرسل
يأتي كتكملة للانجيل ففيه شروحات ومعاني لتفسير اقوال المسيح،ووصف ملهم لنشأة الكنيسة الاولى،كتبها تلاميذ المسيح مثل القديس يوحنا والقديس بطرس والقديس بولس بوحي الهي. ويتضمن هذا السفر 22 رسالة وتفسير بالاضافة الى رؤيا رمزية للقديس يوحنا.
جاءت شهادة الانجيل واعمال الرسل من فلاسفة مشهورين قبلوا المسيحية وصاروا من آباء المسيحيين الاول وهم:جستين او يوستين الذي استشهد، وآيريناوس، وأوريكين او اوريجينس الذي اصبح مشرفا على اكاديمية الاسكندرية عام 222 ،فحولها الى اكاديمية مسيحية وبقيت كذلك حتى القرن الخامس.

زائر

زائر

» ما هو مفهوم الوحي في المسيحية
» من وحي الانجيل : مر 10: 32-45
» من وحي الانجيل :مر 8: 34-38، 9: 1
» من وحي الانجيل :مر 10: 32-45
» من وحي الانجيل :(يو 12: 1-18)